كيف غيرت خوارزمية تيك توك قواعد توصية المحتوى الرقمي عالميا

عادت خوارزمية توصية المحتوى التي يعتمد عليها تطبيق تيك توك إلى واجهة الاهتمام الإعلامي مجددا بعد خطوات قانونية وتنظيمية تتعلق بمستقبل التطبيق داخل السوق الأميركية.
وجاء ذلك عقب توقيع شركة بايت دانس المالكة للتطبيق اتفاقيات ملزمة لتأسيس كيان مشترك يتولى إدارة عمليات تيك توك داخل الولايات المتحدة بمشاركة مستثمرين عالميين.
ويضم هذا المشروع الجديد شركات بارزة في قطاع التكنولوجيا والحوسبة السحابية من بينها أوراكل التي ستلعب دورا تقنيا محوريا في تشغيل البنية التحتية الرقمية.
وأعاد هذا التطور طرح تساؤلات واسعة حول مصير خوارزمية تيك توك التي تعد العمود الفقري لتجربة المستخدم وأحد أبرز أسباب النجاح العالمي للمنصة.
هل ستتخلى بايت دانس عن سيطرتها على الخوارزمية؟
ينظر إلى إنشاء الكيان الجديد باعتباره خطوة استراتيجية لتجنب حظر تيك توك داخل الولايات المتحدة وتخفيف التوترات السياسية والتكنولوجية المتصاعدة بين واشنطن وبكين.
ومع ذلك، لا تزال ملكية خوارزمية التوصية محاطة بدرجة كبيرة من الغموض نظرا لقيمتها التقنية العالية ودورها المركزي في تشغيل التطبيق.
وأشار مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية إلى أن تفاصيل نقل أو ترخيص الخوارزمية لم تحسم بشكل نهائي حتى الآن.
وأوضحوا أن الدور المعلن لشركة أوراكل قد يقتصر على الإشراف والمراقبة التقنية دون امتلاك السيطرة المباشرة على منطق عمل الخوارزمية.
وتعد خوارزمية تيك توك أصلا استراتيجيا بالغ الأهمية لبايت دانس لدرجة أن الشركة كانت تفضل سابقا إيقاف التطبيق بدل التخلي عنها.
لكن تقارير صحفية كشفت لاحقا عن استعداد الشركة لإعادة هيكلة السيطرة مقابل استمرار وجود التطبيق داخل السوق الأميركية الحيوية.
ووفقا لمصادر مطلعة ستحتفظ بايت دانس بالأنشطة التجارية المدرة للإيرادات بينما تسند إدارة البيانات والخوارزمية إلى المشروع المشترك.
وسيعمل الكيان الجديد كبنية تشغيل خلفية مسؤولة عن التعامل مع بيانات المستخدمين الأميركيين وتشغيل أنظمة التوصية المعتمدة داخل التطبيق.
وفي المقابل ستواصل وحدات أخرى مملوكة بالكامل لبايت دانس إدارة مجالات الإعلانات والتجارة الإلكترونية التي تمثل مصادر الدخل الرئيسية.
ولا يزال موقف الحكومة الصينية غير معلن رسميا خاصة بعد تعديلات قوانين التصدير التي تمنحها حق الموافقة على تصدير الخوارزميات الحساسة.
ما سر قوة خوارزمية تيك توك؟
يرى خبراء التكنولوجيا أن تفوق تيك توك لا يعود إلى الخوارزمية وحدها بل إلى تكاملها الذكي مع صيغة الفيديوهات القصيرة السريعة.
لكن المنصة أثبتت أن التركيز على تحليل اهتمامات المستخدمين الفعلية قد يكون أكثر فاعلية من الاعتماد على العلاقات الاجتماعية التقليدية.
وعلى عكس منصات أخرى تعتمد على شبكات الأصدقاء والمتابعين ترتكز خوارزمية تيك توك على مؤشرات الاهتمام والسلوك التفاعلي المباشر.
وتشمل هذه المؤشرات مدة المشاهدة وسرعة التمرير ونوعية المحتوى الذي يتفاعل معه المستخدم بشكل متكرر ودقيق.
وتمنح طبيعة الفيديو القصير الخوارزمية قدرة عالية على التكيف مع تغير أذواق المستخدمين خلال فترات زمنية قصيرة للغاية.
كما تستطيع رصد اختلاف الاهتمامات بين أوقات اليوم المختلفة وتقديم محتوى يتناسب مع الحالة المزاجية للمستخدم في كل لحظة.
إضافة إلى ذلك صمم تيك توك منذ البداية كتطبيق مخصص للهواتف المحمولة ما منحه أفضلية تنافسية واضحة على منصات أقدم.
في المقابل اضطرت منصات منافسة إلى تكييف واجهاتها المحمولة لاحقا بعد أن كانت موجهة أساسا لشاشات الحواسيب المكتبية.
واستفاد تيك توك كذلك من دخوله المبكر إلى سوق الفيديوهات القصيرة قبل أن تلتحق به شركات التكنولوجيا الكبرى بسنوات.
ويمنحه هذا الفارق الزمني مخزونا ضخما من البيانات المتراكمة التي تستخدم باستمرار لتحسين أداء الخوارزمية وتطوير تجربة المستخدم.
ماذا تكشف الدراسات عن الخوارزمية؟
تظهر دراسات أكاديمية حديثة أن خوارزمية تيك توك لا تعتمد فقط على اهتمامات المستخدم المعروفة عند اقتراح المحتوى الجديد.
بل تقوم عمدا بعرض مقاطع لا تتطابق بالكامل مع تفضيلات المستخدم بهدف استكشاف اهتماماته المحتملة بشكل أوسع.
وأشارت أبحاث مشتركة بين جامعات أميركية وألمانية إلى أن نسبة التخصيص المباشر تتراوح بين ثلاثين وخمسين بالمئة فقط.
واعتمدت هذه الدراسات على تحليل بيانات مئات المستخدمين إلى جانب برامج آلية تحاكي السلوك البشري داخل التطبيق.
وأوضح الباحثون أن هذا النهج يوازن بين التخصيص والاستكشاف بما يسمح بفهم أعمق لاهتمامات المستخدم مع مرور الوقت.
كما يساهم في زيادة معدل الاحتفاظ بالمستخدمين من خلال تقديم محتوى متنوع يكسر نمط التوقعات المتكرر.
ويرى الباحثون أن هذا الأسلوب يعزز من عنصر المفاجأة ويشجع المستخدمين على الاستمرار في التصفح لفترات أطول.
وتعد هذه المقاربة أحد العوامل الرئيسية التي تميز تيك توك عن منافسيه في مجال توصية المحتوى الرقمي.



