اختراق تكنولوجي يعيد واشنطن لصدارة إنتاج أشباه الموصلات

يشهد عالم أشباه الموصلات تحولا كبيرا يعيد الولايات المتحدة إلى دائرة المنافسة العالمية في تصنيع الشرائح الدقيقة، بعد إعلان شركة ناشئة تدعى Substrate عن تطوير تقنية جديدة للطباعة تعتمد على الأشعة السينية بدلا من أدوات الطباعة الضوئية المعتمدة في صناعة الرقائق الإلكترونية اليوم.
هذه الخطوة تعتبر نقطة تحول مهمة في سباق التكنولوجيا العالمي، خاصة مع سعي واشنطن لتقليل الاعتماد على الموردين الدوليين وتعزيز قدرتها على إنتاج معالجات أكثر كفاءة بدقة متناهية قد تصل إلى 2 نانومتر أو أقل خلال الأعوام المقبلة.
في الوقت الذي كانت فيه ASML الهولندية تحتكر تكنولوجيا الطباعة الضوئية EUV المتقدمة، تأتي تقنية Substrate كحل منافس قد يكسر هذا الاحتكار ويعيد التوازن لقوة التصنيع العالمية، ويمنح الشركات الأميركية أداة استراتيجية في مواجهة المنافسة الآسيوية.
تقنية الأشعة السينية: منافس مباشر لأجهزة EUV
تعتمد مصانع الرقائق المتطورة على أجهزة الطباعة بتقنية الأشعة فوق البنفسجية القصوى EUV، وهي تقنية معقدة ومرتفعة التكلفة تستخدم لإنتاج معالجات بدقة 7 نانومتر و5 نانومتر وتصل حتى 2 نانومتر، وتمتلك ASML وحدها القدرة على تصنيع هذه الأجهزة.
إلا أن تكلفة الجهاز الواحد تتراوح بين 150 و200 مليون دولار، بينما يصل سعر أحدث إصدار High-NA EUV إلى نحو 380 مليون دولار، ما يجعل الدخول لهذا المجال حكرا على شركات محدودة.
شركة Substrate تقترح بديلا يعتمد على تسريع جسيمات مجهرية مثل الإلكترونات والبروتونات لإنتاج أشعة سينية فائقة القوة، تسمح بطباعة الشرائح الإلكترونية بدقة أعلى وتكلفة أقل، مما قد يفتح الباب أمام منافسة واسعة في سوق تصنيع المعالجات المتقدمة عالميا.
أرخص، أدق، وأقوى: مستقبل الطباعة في عالم الشرائح الدقيقة
وفقا لبيانات الشركة الأميركية، فإن تقنية الطباعة بالأشعة السينية يمكن أن توفر دقة تصنيع تصل إلى ما دون 2 نانومتر، مع تقليل تكلفة التشغيل مقارنة بما تتطلبه أجهزة EUV الحالية.
ولا تقتصر أهمية هذا التطوير على السعر والدقة فقط، بل يمتد تأثيره إلى إحياء قانون مور الشهير، الذي يفترض مضاعفة عدد الترانزستورات داخل كل شريحة إلكترونية كل عامين تقريبا، وهو قانون يواجه تحديات حقيقية مع ارتفاع التكاليف الحالية.
تؤكد Substrate أن تقنيتها مصممة للتغلب على القيود التقنية والاقتصادية التي تعيق استمرار الابتكار في عالم أشباه الموصلات، وتصف نظامها بأنه “الجيل التالي من تقنيات تصنيع الرقائق”.
خفض تكاليف التصنيع بشكل جذري
ارتفعت تكلفة إنشاء مصانع الرقائق من نحو 5 مليارات دولار عام 2010 إلى أكثر من 25 مليار دولار اليوم، ومن المتوقع أن تتجاوز 50 مليارا بحلول 2030، مما شكل ضغطا غير مسبوق على شركات تصنيع الشرائح.
تشير التقديرات إلى أن تكلفة تصنيع رقاقة بدقة 2 نانومتر قد تصل إلى 100 ألف دولار في نهاية العقد، مقارنة بـ30 ألف دولار حاليا، وهو ما يجعل استدامة الصناعة مرتبطة بظهور تقنيات جديدة قادرة على خفض التكلفة.
وتعد Substrate بأنها قادرة على تغيير هذا الواقع، إذ تتوقع تقليل تكلفة الشريحة إلى نحو 10 آلاف دولار فقط، وهو فارق قد يقلب موازين السوق ويجعل التكنولوجيا متاحة لشركات أكثر.
أميركا تعود إلى صدارة صناعة الرقائق الإلكترونية
تقول الشركة الناشئة إن ابتكارها يمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة الولايات المتحدة لقيادة قطاع أشباه الموصلات العالمي، في وقت تتصدر فيه تايوان وكوريا الجنوبية مشهد التصنيع بفضل شركات مثل TSMC وSamsung.
نجاح هذه التقنية قد يطلق موجة جديدة من التطور في عالم الإلكترونيات، ويمكن من إنتاج أجهزة ذكية أسرع، وحواسيب فائقة القوة، وسيارات ذاتية القيادة أكثر تطورا، وكل ذلك يعتمد على زيادة كثافة الترانزستورات داخل كل شريحة إلكترونية، وهي جوهر صناعة المعالجات الحديثة.
إذا استطاعت Substrate تنفيذ رؤيتها، فقد نشهد تحولا تاريخيا يعيد رسم خريطة التكنولوجيا العالمية، ويمنح الولايات المتحدة أفضلية استراتيجية في صناعة الرقائق الدقيقة التي أصبحت عصب الاقتصاد الرقمي الحديث.




